بسم الله الرحمن الرحيم،،،،،
إنها الفرصة الضائعة
التي كانت وما زالت تتكرر عبر أحداث التاريخ البشري وعندما يفوت على شخص ما صفقة
رابحة أو مكسب مالي نتيجة سوء تصرفه فإنه يبقى عليها نادمًا وعلى أصابعه عاضًا لما
لم يفعل كذا وكذا ولما فعل كذا وكذا وهكذا فما بالكم إذا كانت الفرصة الضائعة هي إسلام
أمة بأكملها نتيجة تخاذل المسلمين وافتراقهم وانشغالهم عن الدعوة لدين الله وتلك
هي الفرصة الضائعة .
الأمة التي تتحدث عنها
ونعنيها بكلامنا هي الأمة اليابانية والشعب الياباني الذي يتصف بالنشاط والذكاء
والعمل الدؤوب والعقلانية هذا بالإضافة للأدب والهدوء شأنه في ذلك شأن دول جنوب
شرق آسيا والعجيب رغم كل الصفات الجيدة التي تريد أن يكون الإسلام منتشرًا بين أهل
اليابان إلا أننا نجد أن أقل نسبة للمسلمين في سائر بلاد آسيا هي في اليابان حيث
عدد المسلمين لا يتجاوز الربع مليون مسلم على الرغم من ضخامة تعداد الشعب الياباني
وهذا الذي يجعلنا نتكلم عن الفرصة الضائعة .
تبدأ أحداث تلك الفرصة
الضائعة في عام 1286 هـ عندما ألزمت اليابان على الانفتاح والاتجار مع الأجانب
وفتح بعض مرافئها لهم لأنها في السابق كانت تطبق سياسة الانعزال والانغلاق لبعد
بلادها عن حواضر المعمورة، وبعد هذا الانفتاح اكتشف اليابان أنها متأخرة ومتخلفة
عن ميادين العلوم التجريبية فأرسلت بعض أبناءها للخارج للتعليم والإفادة ثم حدث
تطور سريع عندما دخلت اليابان الحرب مع جارتها روسيا سنة 1322 هـ وخرجت منتصرة
وظهر لليابان حقيقة الدول الأوربية ومهزلة الانتصار عليها فدب الجد والنشاط الشديد
عند أهل اليابان وقد أرسل السلطان عبد الحميد مندوبًا عنه إلى اليابان، وهو القائد
ترتو باشا ليهنئ إمبراطور اليابان بهذا النصر، وكان ممن وقع في أسر اليابانيين من
الروس ألفان من المسلمين الذين كانوا يحاربون مع الروس كرهًا منهم لضغط الروس
عليهم وأهليهم، واحتك أهل اليابان مع الأسرى المسلمين وحدث نوع بسيط من التأثير من
سلوك المسلمين .
بعد هذا الانتصار شعر
إمبراطور اليابان حتى الفرد العادي منهم بأن الديانة الشنتوية اليابانية متخلفة
جدًا لا يقبل العقل طقوسها هذا بالإضافة لكون الشنتوية ديانة مستوردة من الهند حيث
كانت التفسير الياباني للبوذية، فجمع الإمبراطور كبار رجالاته وتشاور معهم في ذلك
الأمر فاقترح أحد خواصه النظر في كتاب قدم به مؤلفه إلى اليابان وهو [حسّان نيوس]
أحد مسلمي الصين واقترح آخر السماع للإرساليات النصرانية التي دخلت اليابان مع
الانفتاح، ولكنها فشلت فشلاً ذريعًا لاصطدام فطرة اليابانيين مع تعاليم المبشرين
المحرفة ولوجود نفس الفكرة بين الشنتوية التي تقوم على تقديس وعبادة البشر
والصليبية المحرفة التي تقوم على عبادة المسيح عليه السلام .
وأخيرًا اقترح الإمبراطور
وزعماء اليابان أن تكون الدعوة عامة لأصحاب مختلف الديانات كي يكون الأمر واضحًا
وكي يكون ذلك حجة على أصحاب الديانات الثانية، ومن هذا المنطلق فقد دعيت كل من
الدولة العثمانية وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وانكلترا والولايات المتحدة لترسل من
تختار للدعوة لدينها، ،وتم استبعاد روسيا لكراهية اليابان لها وبالتالي حضر مندوبو
الإسلام والنصرانية بفرعيها الكاثوليكي والبروتستانتي وغاب الأرثوذكسي عن الساحة
بغياب الروس حامي حمى المذهب الأرثوذكسي وقتها .
بالفعل حضر المندوبون
وعقد مؤتمر عام حضره الإمبراطور [موتسوهيتو] وكبار رجال اليابان وبلغ عدد
المندوبين مائة وعشرين عضوًا، وأخذ كل فريق يعرض محاسن دينه ويرد على أتباع
الديانات الأخرى، وخلصت نتيجة المؤتمر لانتصار الإسلام وظهور صحبته على الآخرين،
ورأى مندوبو الدول الصليبية أن الاتجاه العام لدى اليابانيين قد انصرف نحو
الإسلام، ولكن الإمبراطور كان سياسيًا واعيًا وفي نفس الوقت لم يذق حلاوة الإيمان
فلم يرغب أن يقف في وجه الدول الكبرى ويعاديها جميعًا لذلك فقد أعلن بعد المؤتمر
حرية الاختيار للشعب كي يعتنق الديانة التي يراها مناسبة له كما اتصل بالسلطان عبد
الحميد وطلب منه أني بعث إلى اليابان معلمين للإسلام ومرشدين للدعوة هناك .
شاع بين الأمم أن
إمبراطور اليابان سيسلم وأضحى اعتناق اليابانيين للإسلام وشيكًا وروّج المنصرون
لذلك حتى تتحرك القوى الصليبية لمنع ذلك، ولم يبق على إسلام اليابان سوى تحرك
قوافل الدعوة، ودخول الأراضي اليابانية فماذا حدث ؟ تحرك بعض النشطاء من المسلمين
للدعوة في اليابان فانطلق من مصر أحمد الفضلي وعلي الجرجاني صاحب جريدة الإرشاد في
مصر ومندوب الدولة العثمانية عبد الرشيد إبراهيم ورجل من الهنود اسمه حسين عبد
المنعم فقط لا غير .
يا للعجب أمة ضخمة كبيرة
التعداد واسعة الأرجاء مستعدة لقبول الدعوة ومهيئة الاستماع للإسلام ثم الدخول فيه
فلا يدخلها للدعوة سوى أربعة نفر فكان ذلك بداية ضياع الفرصة .
كان عبد الرشيد أكثرهم حركة ونشاط حيث أنه كان مندوب الدولة العثمانية فاستقبل استقبالاً حسنًا وفسح له المجال للدعوة فاتصل بكثير من الشخصيات ودعى إلى عدد من الحفلات، وكانت الصحف تتابع أخباره وذلك في شهر شوال سنة 1326 هـ وفي خط مواز وبالتنسيق مع عبد الرشيد تحرك أحمد فضلي والجرجاني وفد استطاع الأخير أن يجتمع مع إمبراطور اليابان ويدعوه للإسلام ولكنه فشل في إقناعه بالإسلام، وجاء رجل من استامبول للدعوة، ولكنه كان على غير المستوى المطلوب فكان يدعو إلى تعدد الزوجات مما جعل اليابانيون يحجمون عن الإسلام بسبب ذلك الأمر، استطاع عبد الرشيد أن يقنع عددًا من زعماء اليابان بالإسلام فدخلوا فيه وأنشأوا مسجدًا وجمعية إسلامية في 18 جمادى الأولى سنة 1327 هـ .
كان عبد الرشيد أكثرهم حركة ونشاط حيث أنه كان مندوب الدولة العثمانية فاستقبل استقبالاً حسنًا وفسح له المجال للدعوة فاتصل بكثير من الشخصيات ودعى إلى عدد من الحفلات، وكانت الصحف تتابع أخباره وذلك في شهر شوال سنة 1326 هـ وفي خط مواز وبالتنسيق مع عبد الرشيد تحرك أحمد فضلي والجرجاني وفد استطاع الأخير أن يجتمع مع إمبراطور اليابان ويدعوه للإسلام ولكنه فشل في إقناعه بالإسلام، وجاء رجل من استامبول للدعوة، ولكنه كان على غير المستوى المطلوب فكان يدعو إلى تعدد الزوجات مما جعل اليابانيون يحجمون عن الإسلام بسبب ذلك الأمر، استطاع عبد الرشيد أن يقنع عددًا من زعماء اليابان بالإسلام فدخلوا فيه وأنشأوا مسجدًا وجمعية إسلامية في 18 جمادى الأولى سنة 1327 هـ .
وفي تلك الأثناء وقع
الانقلاب المشؤوم على السلطان عبد الحميد الذي تآمر عليه الصليبيون مع الصهاينة
للإطاحة به، وأصبح حدث القومية الطورانية يعلو على كل صوت واختفت فكرة الجامعة
الإسلامية التي سعى لها عبد الحميد، ونتج عن ذلك استدعاء عبد الرشيد إبراهيم من
اليابان بناءًا على أوامر القيادة الجديدة في أستانبول فاضطر عبد الرشيد لمغادرة
اليابان في 27 جمادى الأولى سنة 1327 هـ أي بعد تأسيس المسجد بتسعة أيام فقط ولم
يمكث عبد الرشيد باليابان سوى سبعة أشهر غادرها بعد أن ترك بعض الركائز للعمل
الإسلامي وبعض المسلمين .
حدث بعض التغيير في
الحياة السياسية في اليابان حيث رامت اليابان في الاتحاد مع الصين وتكوين حلف
مشترك ضد الأعداء خاصة الأوربيين الذين تولدت عداوتهم في قلوب اليابانيين عبر
السنين بفعل غطرسة واستعلاء واستغلال الأوربيين للجنس الأصفر في آسيا، وكانت الصين
ومنها بها أعداد كبيرة من المسلمين لذلك فلقد عملت اليابان على استقطاب المسلمين
بالصين نحوها خاصة أن اليابان قد احتلت الجزء الشمالي من البر الصيني وأنشأت
اليابان [اتحاد المسلمين في الصين] وجاء عدد من المسلمين من الهند ومن جاوة في
إندونيسيا إلى اليابان للدعوة ولم تكن إمكانياتهم تسمح بذلك من جهة أخرى حدث خلاف
واضح بين مسلمي الهند المتمذهبين بالمذهب الحنفي ومسلمي إندونيسيا أتباع المذهب
الشافعي واليابانيون المسلمون ينظرون إلى هذا الخلاف بتعجب شديد ولم يدروا ما
المذاهب وحال ذلك الأمر دون اعتناق كثير من اليابانيين للإسلام حتى أرسل مسلمو
اليابان إلى مكة يستفسرون ويسألون محمد سلطان المعصومي الخوقندي المكي المدرس
بالمسجد الحرام سنة 1357 هـ من المذاهب وهل يلزم من دخل الدين الإسلامي أن يتمذهب
على أحد المذاهب الأربعة ؟
وبالجملة وفي النهاية
ضاعت فرصة ذهبية لدخول أمة بأكملها في دين الإسلام وبالجملة ومن خلال هذا السرد
التاريخي لتلك الفرصة الضائعة يتضح لنا أسباب الضياع حتى نكون على بينة من أمرنا
ولنكون على حذر واعتبار من الوقوع في مثلها إذا تكررت الفرصة مرة أخرى، ونستطيع أن
نجمل أسباب الضياع فيما يلي :
1 ـ ضعف الاستجابة الذي
جاء من المسلمين تجاه تلبية الدعوة للدخول للأرض اليابان لنشر الإسلام حيث لا يعقل
أن يقوم بدعوة أمة كبيرة التعداد واسعة الأرجاء أربعة نفر فقط في حين أننا نرى
المبشرين والمنصرين يتحركون جماعات وزرافات في كل أنحاء المعمورة يعيش الواحد منهم
داخل أدغال أفريقيا وفي أحراش آسيا أكثر من عشرين عامًا بعيدًا عن أهله وبلده،
محرومًا من أدنى وسائل الرفاهية من أجل دعوة باطلة ويكون في قمة السعادة عندما
ينجح بعد هذه المدة الطويلة في تنصير رجل أو رجلين .
فما هي الحجة أو العداء
للمسلمين عندما تكاسلوا عن جلسة داعي الدعوة وجذبتهم الأرض وكرهوا أن ينفروا
للدعوة وبعدت عليهم الشقة .
2 ـ ثاني أسباب الضياع هو
فرعية وهامشية الطريقة المستخدمة في الدعوة حيث كان يدعو البعض لتعدد الزوجات وهذا
يدل على جهل الداعية بطبيعة أرض الدعوة حيث أن الشعب الياباني يأنف من ذلك حين
نسيت الأصول والركائز في الدعوة للدين ومراعاة أن هذا الشعب يقدس الأخلاق والآداب
النبيلة وفي الإسلام الأصول الخالدة لتلك الآداب التي أظن لو بدأ بها في دعوة
اليابانيين لكان للإسلام صدى أكبر بكثير مما حدث.
3 ـ ثالث الأسباب هو
التعصب والخلاف المذموم الذي وقع بين أتباع المذاهب الفقهية في وقت تكون الحاجة
فيه على أشدها للاتحاد والتنسيق وذلك لوحدة الهدف بين المتخالفين فكلاهما يدعو
للإسلام، ويرمي لدخول اليابانيين في الإسلام فلماذا إذًا الاختلاف والتناحر؟ ولم
يراع هؤلاء المتخالفين الآثار السيئة التي ستصيب الشعب الياباني الذي لا يعرف
المذاهب مما أدى لإعراض الكثير منهم عن الإسلام .
مفكرة الإسلام